بسم الله الرحمن الرحيم
نور على نور
احتارت نفسي مع نفسي وغلب قلبي وهم ظنوني
وغاب عقلي في ظلمة أعماقي وتاهت خطواتي في دروب تائهة ,
سرت في طريق موحش رداءه ظلمة الليل الأسود الكئيب
أرهقني صعود جباله الشاهقة المحفوفة بالمخاطر وأرداني
التعثر في قعر وديانه الغادرة , لقد خضت غمار ذلك الطريق
الموحش الذي بلغت ظلمته ظلمة قبو نشأ في أعماق الأرض
فأطبق عليٌ بظلمته وظلمه , خطوت على أرضه المتمايلة
فتمايلت إلى حد السقوط والهلاك , فسرت فيه وزفرات الرهبة
تطرق مسامعي , وحينما طال بي المشوار غالبني اليأس فتقمصته
فقد خالج نفسي مهابة الرهبة وخوف الضياع ومرارة الهلاك
لقد ضعفت قوتي وشاب شبابي وزادت حيرتي ,
كيف الخلاص مما أنا فيه , لقد أسلمت نفسي لضياعها
وأوردتها هلاكها وعهدتها لشقائها , فيئست من تخبطي
بين أروقة ذلك الطريق المضيض , فركنت إلى أحدي أركانه
وجلست بحسرتي ومذلتي وأغمضت عيني التي لم أبصر بها
شيء في ذلك الطريق ما يلوح لي بالأمل والخلاص
فأطبقت جفوني على مدامعي وأفسحت المجال لخيالي
أن يهيم في روعة الخيال الحالم , وبينما أنا على ما أ ُلت
إليه من حال إذ بهمس ندي عذب يداعب مسامعي ويهتف لقلبي
المنكوب بلحنه العذب الشجي وكلماته المحكمة الرصينة
فتخيلت أن هذا من وحي الخيال الزائف , إلا أن الصوت
الفاتن كرر ترنيمه وفتحت كلماته الندية وقر صممي
, ففتحت عيناي حتى لا أمني النفس بما لا حظ لها فيه
ولكن عندما فتحت عيني رأيت من الدهشة والمفاجأة
ما لم تصدقه عيني , فقد لاح في الأفق البعيد ضياء كنور البدر
عندما يتوسط السماء ويكسوها بأشعته الفضية الساحرة
فبعث فيّ الأمل واستردت قوتي وعاد ت حيوية شبابي
وخلعت لباس اليأس عن كاهلي وتابعت السير
مقتفيا أثر ذلك النور الذي سحرني بجماله وبريقه
ثم خالجني شعور بالتردد والخوف , فأنا متعطش للضياء
كتعطش الظمآن للماء , فهل ما رأت عيني حقيقة أم سراب ؟
فتابعت مشواري لأستكشف حقيقة ما تمنيت في نفسي حقيقته
فإن كان سرابا فإنه سيبتعد كلما اقتربت منه ,
وإن كان حقيقة فإنه سيبقى مغدقا بضيائه
فازداد خوفي وقلقي , إلا أن الفرحة العارمة التي اعترتني
حين أبصرت الضوء كفرحة من أوشك على الهلاك عطشا
وهو يسير في صحراء مقفرة انكوى بحرارتها وهجيرها
ثم آنس واحة خضراء أحيطت بنبع الماء العذب الزلال
فاستجمعت كل قواي ونشاطي وسرت مسرعا نحو مصدر الضوء
فكنت كلما اقتربت منه ازداد توهجا وجمالا
فأيقنت أن ما رأت عيني حقيقة لا خيال
إنه صوت القرآن ونور اليقين والإيمان
( نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء )