قـال الأصمعي:كان فتى من تقيف شديد الحياء,كريما أديبا,فينما هو جالس,أذ مرت به امرأة من أجمل النساء فلم بتمالك أن قام من الحياء من مجلسه ليعلم من هي,وأين تريد؟وقد كلف بها واشتد عشقه لها,فاتبعها حتى دخل منزل أخيه فأذا هي امرأته,فضاق به الأمر ولم يدر ما يصنع,وكتم شأنه,وجعل مابه يزداد كل يوم حتى نحل جسمه,فأنكر شأنه أخوه وأهله وسألوه عما به.فلم يخبرهم بشيء من أمره.فدعا أخوه الأطباء فعالجوه فلم يغنو عنه شيئا,فلما أعياهم مابه,وزاد سقمه,سلمه أخوه الى الحارث بن كلدة وكان من أطباء العرب فنظر أليه الحارث فلم ير به داء ينكر,غير أنه ظن أنه عاشق.فخلا به الحارث فسأله,فأبى أن يقر له بشيء.فلما أعيى الحارث جعل يسأل عن أسمائهم وأسماء نسائهم,والفتى ملقى بين يديه,كلما سميت امرأة منهم نظر الحارث وجه المريض حتى جاء اسم امرأة أخيه فارتاح وتنفس,واغرورقت عيناه بالدموع.فعلم الحارث أمره,وقال لأخيه:اذهب فجئي بجميع أهليكم,ولايتخلف عني منهم امرأة ولا رجل فأني قد وقعت على دائه.
فخرج أخوه حتى أتى أهله,فجمعهم في منزل ونقل الحارث المريض اليهم,وقال:لايغيبن عنه امراة ولا رجل.فلما نظر الرجل الى امرأة أخيه خف عنه بعض ما كان يجده.فعرف الحارث ذلك منه,فأمر بشاة فذبحت,وأخرج كبدها فوضعها على النار,ثم أطعمه منها فأكل ثم مزج له شربة خفيفة فسقاه,وفعل به ذلك أياما يزيده في كل يوم شيئا قليلا في مطعمه ومشربه.فحسنت حاله,ورجع أليه بعض جسمه.فلما رأى الحارث أنه قوي بعض القوة صنع له طعاما وهيأ له شرابا ثم أحضر الفتى وأخاه فطعما وشربا,وأمر الحارث أخاه أن ينصرف وقام هو ووكل هو بالفتى من يسقيه ويغنيه,وقال:احفظ حديثه,وكل ما يتكلم به,وحدثه كل حديث تعرفه في العشق وأخبار العشاق,وأشعارهم.
فلما أصبح الحارث دعا الموكل بالفتى فسأله,فعرفه بكل شيء,فحدثه,فدعا أخاه فعرفه أنه عاشق لامرأته.فقال له:يا أخي أنا أنزل لك عنها وتتزجها.فلما سمعه الفتى استحيى وخرج هاربا على وجهه,فلم يقفوا له على خبر الى اليوم فسمي فقيد ثقيف.
وقـال الأصمعي
بينما أن أسير في البادية اذ مررت بحجر مكتوب عليه هذا البيت:
أيـا معشر العشاق بالله خبروا اذا حل عشق بالفتى كيف يصنع؟
فكتبت تحته:
يداري هواه ثم يكتم سره ويخشع في كل الأمور ويخضع
ثم عدت في اليوم الثاني فوجدت مكتوبا تحته:
فكيف يداري والهوى قاتل الفتىى وفي كل يوم قلبه يتقطع
فكتبت تحته:
اذا لم يجد صبرا لكتمان سره فليس له شيء سوى الموت أنفع
ثم عدت في اليوم الثالث فوجدت شابا ملقى تحت ذلك الحجر ميتا وقد كتب قبل موته:
سمعنا أطعنا ثم متنا فبلغوا سلامي على من كان للوصل يمنع